أخبار وطنية حمودة بن سلامة يكشف مضمون الرسالة التي توجه بها إلى الرئيس بورقيبة بمناسبة مرور 20 سنة على الاستقلال
نشر في 23 مارس 2015 (13:15)
رسالة مفتوحة إلى الرئيس بورقيبة بمناسبة مرور 20 سنة على الاستقلال 20 مارس 1976
إن الاحتفال بالذكرى العشرين للاستقلال حدث سياسي يهم الأمة جمعاء . وهو مناسبة تتاح للتونسيين ليتذكروا الثمن الذي دفعوه للظفر بحريتهم ولإحياء ذكرى من ضحوا بأنفسهم في سبيل تحقيق هذه الغاية النبيلة لا يبتغون من وراء جهادهم أي جزاء سواء إرضاء للضمير.
لقد كانت معركة التحرير القومي عملا جماعيا كتلت رجالا ونساء من كل الأجيال مهما كانت وضعياتهم وطبقاتهم الاجتماعية وجهاتهم توفق الحزب الدستوري الجديد إلى تنظيمهم وتعبئتهم.
إن الجيل الذي شهد النظام الاستعماري وشارك في معركة التحرير يحفظ ذكرى من مات من الرجال الذين برزوا في الكفاح منهم الحبيب ثامر وفرحات حشاد والهادي شاكر وعلي البلهوان والطيب المهيري والمنجي سليم وأحمد التليلي وغيرهم ، كما يحفظ هذا الجيل صورة الأحياء منهم وفي مقدمتهم بورقيبة الذي دخل التاريخ كزعيم قومي ومؤسس للجمهورية.
أما بالنسبة للجيل الجديد وهو اليوم أغلبية الشعب التونسي فالحاضر والمستقبل أهم من الماضي والحديث موجه إليهم بالخصوص.
في هذا اليوم المشهود علينا أن نفكر في أمر بلادنا وفي مستقبلها. فهي ليست وقفا على صنف من المواطنين لكنها وطن الجميع ، لذلك نحن جميعا معنيون بمصيرها وعلينا أن نحميها إن تعرضت لخطر يهددها وأن لا نكون آلة لحركة خارجية موجهة ضدها ، وخلافاتنا يجب أن توضع في المرتبة الثانية إذا كان استقلال بلادنا وأمنها في خطر.
إن الاستقلال الذي نحتفل به اليوم مات من أجله شهداؤنا ويعني استرجاع كرامتنا كأمة وكأفراد .
فكرامة الأمة هي حقها الذي لا ينازع في تقرير مصيرها وتصــــــريف شؤونها وأن تكون محــــــترمة لدى غيرها من الأمم .
أما كرامة الفرد فهي :
- حقه في الحرية ، حرية التفكير والتعبير والاجتماع والتكتل دون مساس بحرية الغير.
- حقه في الحريات النقابية
- حقه في أن يعيش آمنا مطمئنا وفي أن يكون في كل ظرف من الظروف في مأمن من الخوف والتعسف وفي ظل قضاء مستقل ، فلا يكون مطالبا إلا أمام سلطة شرعية لها وحدها حق تطبيق القوانين والتراتيب وله أن يتصدى لمن يدعي أن يقوم مقامها من أفراد وجماعات.
- حقه في المشاركة في تسيير الشؤون العامة وفي أن ينتخب بكل حرية ممثليه في المنظمة السياسية أو النقابية أو المهنية التي يرتضيها.
- حقه في أن يمنح صوته في مأمن من الضغط إلى المرشح الذي يختاره عند انتخاب البلدية أو مجلس الأمة أو رئيس الدولة.
- حقه في المشاركة في المستوى الجهوي في انتخاب مجلس جهوي له سلطة حقيقية في اتخاذ القرارات
- حقه في حياة كريمة تستجيب لحاجياته الضرورية
- حقه في الشغل وفي أجر عادل يتطور مع تطور غلاء المعيشة وكذلك المساهمة في أرباح المؤسسة التي يعمل بها.
- حقه في حماية صحته.
- حقه في التعليم الذي هو بالنسبة إلى الدولة واجبا قارا وهدفا في حد ذاته بقطع النظر عن غيره من الواجبات المناطة بعهدتها.
- حقه بوصفه مواطنا رشيدا مميزا في معرفة الحقيقة مهما كانت بواسطة أجهزة إعلام متنوعة تتوخى الموضوعية.
- حقه في أن ينهل كيفما أراد من منابع الفن والثقافة.
- حقه في التعبير بحرية على أن يكون الجمهور حكما دون الخضوع للرقابة ، متى احترمت القيم الإنسانية والاجتماعية.
ذلك هو اعتقادنا الراسخ ، ونحن مقتنعون أيضا بأن النيل من الحريات الأساسية ومخالفة مبدأ تفريق السلط الوارد في الدستور واختيار نوع من الاقتصاد الحر يتسم بالفوضى قد تجاوزه الزمن وما ينجر عنه من حيف اجتماعي وتفشي النزعات الجهوية ’ أضف إلى ذلك الصبغة الصورية للحوار بين الحاكم والمحكوم. كل هذه النواحي السلبية تعد انحرافا خطيرا ناتجا عن تطور النظام السياسي يتعارض من أهدافنا.
وبالرغم من ذلك فإن تونس حققت خلال العشرين سنة تقدما ملموسا في ميادين عديدة كما أن مجتمعنا تطور تطورا هاما بفضل مجهودات الجميع.
وقد حان الوقت لاستخلاص كل النتائج المنطقية :
أ) على الصعيد السياسي :
إن شعبنا كان يعتبر نفسه رشيدا عند خوضه معركة التحرير، ومن باب أولي وأحرى بعد مضي عشرين سنة من الاستقلال.
ويحق له اليوم بعد أن أطاح بعهد البايات وأقام نظاما جمهوريا أن يعتبر أنه قد بلغ درجة من النضج تؤهله لتسيير شؤونه في كنف الديمقراطية ، لذلك فقد حان الوقت لتجسيم السيادة الشعبية والديمقراطية بتحوير المؤسسات السياسية والهياكل الممثلة.
لقد أثبتت التجربة أن نظام الحزب الواحد لم يعد يلبي حاجات الشعب ومطامحه وهو في مرحلة تحول عميق ، وقد برهنت الأزمة السياسية التي عشناها سنة 1971 أن هذا النظام الحزبي عجز عن التطور. ويجب الآن تمكين معارضة منظمة خارج الحزب الاشتراكي الدستوري من أن تعبر عن رأيها وأن تبرز في نطاق الدستور والقوانين وتكون مؤهلة لتجسيم الحل البديل للحكم القائم والاستجابة لرغبة التغيير التي أصبحت ملحة أكثر فأكثر في البلاد، لذلك فإنه من الضروري الشروع في تصفية الجو السياسي وضمان الممارسة الفعلية للحريات وإعلان العفو العام وإطلاق سراح المساجين السياسيين .
ب) على الصعيد الاقتصادي :
يحق للشعب التونسي بواسطة هياكله النيابية المنتخبة انتخابا ديمقراطيا ضبط اختياراته وتحديد الوسائل الكفيلة بتحقيقها. ولا بد من إعطاء التنمية أبعادا تتماشى ومطامح الشعب ، كفيلة باستقطاب موافقته وكذلك حماسه ، ومن الواجب إعطاء محتوى ملموس للاشتراكية التي تعتمدها البلاد رسميا. وذلك بجعل العدالة الاجتماعية غير منفصلة عن التنمية الاقتصادية ، وبالكف عن استعمالها مجرد شعار لتصبح عملا مخلصا متواصلا متناسقا مع التنمية.
إن الواجب يفرض علينا حماية استقلال البلاد وجعله في مأمن من تسلط الأجنبي على ثرواته ووسائل إنتاجه ، على أن نشجع التعاون النزيه المثمر مع الأطراف الأجنبية القادرة على توفير المساهمة الفعلية بالتقنيات ورؤوس الأموال.
وعلينا مع تكثيف المجهود لتصنيع البلاد أن نعطي الفلاحة المكانة التي تستحقها بوصفها نشاطا مهما يشغل أغلبية التونسيين ويوفر لهم أسباب الرزق ، وأن نجعل من التجارة حافزا حقيقيا للنشاط الاقتصادي. ويتحتم في جميع هذه الميادين تشجيع التقنيات العصرية في التنظيم والتسيير لضمان الجودة في كل مجال.
وعلى الدولة أن تتدخل عند الحاجة لرفع الحيف وسد الفراغ لحماية مصالح المجموعة القومية.
ج) في ميدان التعليم :
يجب أن يكون الهدف الأساسي للتعليم تنمية مواهب الشبان وملكاتهم ليصبحوا مواطنين مسؤولين ورجالا متضامنين. لذلك علينا أن نعيد النظر في نظامنا التربوي بإصلاح مناهجنا البيداغوجية ، وأن نجعل منه حقا لجميع الأطفال الذين بلغوا سن الدراسة بإقرار التعليم الإجباري حتى سن معينة.
إن ذاتيتنا القومية وإرادة شعبنا تفرضان أن يكون التعليم بلغة البلاد ، لذلك يجب أن نجعل بصدق من التعريب اختيارا سواء في التعليم أو في المصالح العمومية كما يجب ضبط مخطط جدي لتحقيق هذا الاختيار وتوفير الوسائل الضرورية لنجاحه ، على أن الأولوية التي نعطيها للغة البلاد لا تتضارب قط مع ضرورة التفتح على العالم الخارجي وتعلقنا بالتقدم التقني والثقافة العالمية.
د) في ميدان الشباب :
إن شبابنا في حيرة من أمر مستقبله ، فواجبنا نحوه أن نوفر له وسائل الازدهار ثقافيا وأدبيا ، وأن نضمن للجميع تكافؤ الفرص في الحياة. ويجب تشريك الشباب فعليا في ممارسة المسؤوليات حتى تساهم طاقاته الخلاقة في تشييد مجتمع متناسق ، عادل ، متفتح على التقدم ، تنتفي منه الفوارق شيئا فشيئا.
ه ) على الصعيد الخارجي :
ينبغي أساسا إعادة الصورة الممتازة لبلادنا التي تجلب لها الاحترام والتقدير. إن مصيرنا مرتبط بالمغرب العربي من حيث التاريخ والجغرافيا ومتطلبات النمو الاقتصادي. فلا بد من الشروع مع الأطراف المعنية في تحقيق هذا المشروع العظيم بدون نوايا خفية وبصادق العزم. ويجب السعي في سبيل إقامة مغرب متوازن ديمقراطي تجد فيه كل مجموعة مكانها ودورها دون السماح لأي كان أن يفرض هيمنته أو أن يشبع رغبته في التوسع. ويتحتم من الآن الشروع في إعداد مجتمعاتنا لمتطلبات الحرية والتقدم. وفي هذه الظروف نستنكر كل المبادرات التي تبعدنا عن هذا الهدف بإثارة الصراع العقيم بين الإخوة وبجعل منطقتنا محل تنافس الدول العظمى ، كما نشهر بالأعمال المرتجلة التي اضطرت الآلاف من إخواننا الأبرياء من جميع أنحاء مغربنا إلى مغادرة ديارهم والتخلي عن شغلهم وأملاكهم.
وعلينا أن ندعم روابط الإخاء والتضامن والتعاون التي تشدنا إلى البلدان العربية والإفريقية ، وواجبنا أن نضاعف تأييدنا للشعب الفلسطيني البطل المجاهد في سبيل وجوده وكرامته وحريته.
وعلينا أن نتعامل مع بقية بلدان العالم بعلاقات مبنية على الثقة والاحترام المتبادل على أساس المصالح المشتركة ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
وعلينا أن نسعى خاصة بتعاون مع بلدان العالم الثالث إلى إنشاء نظام اقتصادي دولي جديد عادل وكذلك إلى تأكيد اختيارنا الأساسي المتمثل في عدم الانحياز.
وفي الجملة هذا هو الاختيار الحضاري الذي نضعه أمام شعبنا وهو يرمي إلى إقامة مجتمع له شخصيته وريثة القيم العربية الإسلامية المتفتحة على التقدم وعلى العالم والى خلق مجموعة من المواطنين الأحرار تسوسها المبادئ الديمقراطية والاشتراكية وهو أمر موكول أولا وبالذات إلى الشعب التونسي الذي له وحده القول الفصل في تقرر مصيره .
--------------------------------------------------
تونس في 20 مارس 1976
الممضون :
أحمد المستيري الصادق بن جمعة الدالي الجازي
الباجي قائد السبسي الدكتور حمودة بن سلامة منير الباجي
الحبيب بوالأعراس عز الدين بن عاشور عبد الحي شويخة
راضية الحداد إسماعيل بولحية عياض النيفر
محمد الصالح بالحاج عبد الستار العجمي
حسيب بن عمار محمد مواعدة
---------------------------